أخبار ليبيا
السُّدودُ بينَ حلِّ مشكلةِ الجفافِ والتأثيراتِ البيئيةِ

تؤدي السُّدودُ دوراً أساسيّاً في تلبيةِ احتياجاتِ الإنسانِ المتزايدةِ، منَ الماءِ والطاقةِ، ولها دورٌ فعّالٌ في الحمايةِ من الفيضاناتِ والتلوُّثِ. ويُعَدُّ تشييدُ مختلِفِ أنواعِ السُّدودِ في مناطقَ متعددةٍ، كسُدود الرَيِّ أو التخزينِ، سُدودِ الطاقةِ، سُدودِ الأمانِ، سُدودِ الشُّربِ وسُدودِ التحكُّمِ في التلوُّثِ، أمراً ضرورياً لتعزيزِ المواردِ المائيةِ في البلادِ، وضمانِ استدامتِها.
لقد ضاعفَتِ الحرارةُ غيرُ الاعتياديةِ التي تجتاحُ بُلدانَ العالمِ، ولا سيما الدولُ العربيةُ، من أزمةِ المياهِ، فباتَتْ أغلبُ هذهِ الدُّولِ تُعاني من نُدرةِ المياهِ، فمن بينِ 22 دولةً عربيةً، تقعُ 19 في نطاقِ شُحِّ المياهِ وَفقَ الأُممِ المتحدةِ، بينما ثلاثُ دولٍ عربيةٍ فقط يزيدُ نصيبُ الفردِ فيها منَ المياهِ على ألفِ مترٍ مُكَعَّبٍ، وهي جزرُ القمرِ والعراق وموريتانيا. ومعَ ارتفاعِ عددِ السُّكانِ العربِ، والتوسُّعِ في المِساحاتِ الزراعيةِ المَروِيَّةِ، وتشييدِ المصانعِ التي تستهلكُ كمياتٍ كبيرةً من المياهِ، يتراجعُ نصيبُ الفردِ منَ المياهِ، وهذا الفقرُ المائيُّ دفعَ الدولَ العربيةَ إلى اتِّخاذِ خِياراتٍ غيرِ تقليديةٍ، مثلِ بناءِ محطاتِ تحليةِ مياهِ البحرِ، رغمَ تكلفتِها العاليةِ. كذلك توسَّعَتْ دولٌ عربيةٌ عدّةٌ في بناءِ السُّدودِ، وحفرِ الآبار الإرتوازيةِ العميقةِ ونقلِ مياهِها إلى التجمعاتِ السكانيةِ الفقيرةِ مائياً عبرَ الأنابيبِ الضخمةِ، مثلما هو الحالُ في ليبيا والجزائرِ.
تمتلكُ ليبيا سدوداً مائيةً موزَّعةً على مدنٍ مختلفةٍ، ورغمَ دورِها الحيويِّ في تخزينِ المياهِ للرَيِّ والشُّربِ وتوليدِ الطاقةِ الكهرُبائيةِ والتحكُّمِ في الفيضاناتِ وتعزيزِ الاستدامةِ البيئيةِ، إلّا أنّها تُعاني من حاجةٍ إلى صِيانةٍ دائمةٍ، وهذا ما لَحَظَهُ الدكتور الصدّيق حفتر، الذي اعتبرَ أنَّ “ما حدثَ منَ انهياراتٍ في سُدودِ مدينةِ درنة في أعقابِ العاصفةِ دانيال، عائدٌ إلى أنّ السُّدودَ في مناطقَ عدةٍ تُهمَلُ، وهو ما يجعلُها عُرضةً للانهيارِ، ومن هنا تأتي أهميةُ مُعالَجةِ الصُّدوعِ والفوالقِ الصخريةِ فيها، ووضعِ مُخصَّصاتٍ ماليةٍ لعملياتِ الصيانةِ لأنابيبِ المياهِ والشَّبكاتِ المُرتبطةِ بالسُّدودِ”.
لقد نَصحَتْ دراسةٌ أكاديميةٌ متخصِّصةٌ بِضرورةِ إنشاءِ السُّدودِ الحَجَريةِ والسُّدودِ التعويقيةِ للحدِّ من تدفُّقِ مياهِ الأمطارِ، وانجرافِ التُّربةِ، وبالعملِ على زراعةِ أشجارٍ تكونُ مصدّاتٍ للرياحِ للحدِّ من حركةِ التُّربةِ وانجرافِها.
صحيحٌ أنَّ بِناءَ السُّدودِ يُمكنُ أن يكونَ حلّاً لمُشكِلةِ الجَفافِ المُتأتّي عنِ التغيُّرِ المُناخيِّ، لِكونِها تُساعدُ في تخزينِ مياهِ الأمطارِ والسُّيولِ وفي إدارةِ المواردِ المائيةِ، لكنْ يجبُ بناؤها بِعنايةٍ، والتخطيطُ لها مع مُراعاةِ التأثيراتِ البيئيةِ والاجتماعيةِ. هذا ما ركَّزَ عليهِ الدكتور حفتر، مُشيراً “إلى أنهُ يجبُ أن يكونَ هناكَ نظامُ إدارةٍ مُتكامِلٍ للموارِدِ المائيةِ يَشمَلُ استخدامَ تِقنياتِ الرَّيِّ الحديثةِ، وترشيدَ استهلاكِ المياهِ، وتحليةَ مياهِ البحرِ، إلى جانبِ استخدامِ المياهِ الجَوفيةِ بشكلٍ مُستدامٍ”. السُّدودُ تُخزِّنُ كمياتٍ هائلةً منَ المياهِ، وفي حالاتِ الزلازلِ أوِ الفيضاناتِ، فهيَ تُمثِّلُ خطورةً كبيرةً، لأنه عندَ حُدوثِ الفيضاناتِ يجبُ أن تُفتَحَ البواباتُ وتُتَّخَذَ الاحتياطاتُ اللازمةُ حتى لا تُمثِّلَ المياهُ المحجوزةُ عبئاً على جسمِ السَّدِّ، ما يؤدي إلى انهيارِهِ. من هنا، فإنَّ بناءَ السُّدودِ وحدَهُ قد لا يكونُ حلّاً كافياً ووافياً لمُشكلةِ الجفافِ، لكنَّهُ حتماً يُمكنُ أن يكونَ جزءاً من استراتيجيةٍ شاملةٍ لإدارةِ المواردِ المائيةِ في البلادِ.
