Connect with us

أخبار ليبيا

المباني الأثريةُ جزءٌ من هُويةِ ليبيا الثقافيةِ والحضاريةِ

كانَتْ دولةُ ليبيا، ولا تزالُ وستبقى، تلكَ الجغرافيةَ الضاربةَ في عُمقِ التاريخِ. الدليلُ على ذلكَ آثارُها التي تحكي للأجيالِ حكايةَ الحضاراتِ التي مرَّتْ على هذا البلدِ، وتركَتْ بَصَماتِها التي لا يمحوها تبدُّلُ العُصورِ والأزمانِ.

بقَدْرِ ما يحرِصُ أيُّ بلدٍ على بناءِ حاضرِهِ ويسعى لمُستقبلٍ مُشرقٍ لأجيالِهِ، يحرِصُ على تاريخِهِ الذي يستمدُّ منهُ القوةَ والإلهامَ، وهذا ما يضعُهُ الدكتور الصدّيق حفتر ضِمنَ خطتِهِ بعيدةِ المدى لبناءِ ليبيا الحديثةِ، التي تأخذُ القوةَ من تاريخِها، بحيثُ لا تطغى الحداثةُ على التراثِ الذي يميّزُ هذا البلدَ العريقَ.

دائماً ما كانَتِ المباني الأثريةُ تستهوي أفئدةَ الزُّوارِ والسُّياحِ إلى ليبيا، انطلاقاً من قلبِ العاصمةِ طرابلس، ومنها امتداداً إلى المدنِ الكُبرى، ذلك أنَّ ليبيا تكادُ تكونُ البلدَ الأغنى في العالمِ العربيِّ وفي أفريقيا، بما تمتلكُهُ من تُراثٍ عريقٍ متوارَثٍ منَ الحضاراتِ التي تعاقَبَتْ عليها، منَ العصرِ الرومانيِّ إلى العصرِ الإسلاميِّ، ومن بعدِهما الحُكمُ العُثمانيُّ والحُكمُ الإيطاليُّ، وصولاً إلى العصرِ الحديثِ الذي أرسى فيه الليبيون دعائمَ دولتِهِم. لكنّ الأزَماتِ التي عصفَتْ بليبيا في السنواتِ الأخيرةِ، جعلَتْ المبانيَ والمواقعَ الأثريةَ مُهمَلةً إلى حدٍّ كبيرٍ، إلّا أنَّ هذا الأمرَ استرعى انتباهَ الدكتور الصدّيق حفتر، الذي وضعَ الخططَ والدراساتِ اللازمةَ لاستعادةِ هذه المواقعِ رونقَها الإسلاميَّ والتاريخيَّ وألوانَها التي تبهُرُ الأنظارَ، ويُشدِّدُ على أنَّ استعادةَ هذه المباني والمواقعِ تألُّقَها كفيلةٌ بأن تُعطيَ انطباعاً باستعادةِ ليبيا عافيتَها التراثيةَ والتاريخيةَ، وحتى الأمنيةَ، بحيثُ تعودُ ليبيا بعاصمتِها ومُدُنِها وبِقُراها ومواقِعِها التاريخيةِ مقصداً للسُّياحِ، ومنهلاً لأهلِ الثقافةِ والأدبِ الذين نظَموا فيها القصائدَ والرواياتِ والقِصصَ التي لا يملُّ المرءُ من سَماعِها.

تتوزّعُ اهتماماتُ الدكتور حفتر على كلِّ الصُّعُدِ للنهوضِ ببلدِهِ، وفي أولويةِ هذهِ الاهتماماتِ، المباني الأثريةُ والتراثيةُ، وهو يستعينُ بخيرةِ المهندسين من ليبيا ومن الدُّوَلِ العربيةِ والإسلاميةِ لترميمِ هذه المباني، بحيثُ لا تكونُ مكاناً للسَّكنِ كالفنادقِ وغيرِها فحسْب، بل لجعلِها مراكزَ ثقافيةً وتحويلِ بعضِها إلى مكتباتٍ وطنيةٍ وقاعاتٍ وصالاتٍ للمعارضِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ.

يُشكِّلُ التزايدُ السُّكانيُّ تحدياً كبيراً أمامَ الحِفاظِ على الإرثِ التاريخيِّ، إذ دائماً ما تكونُ المباني القديمةُ أوِ المتصدِّعةُ هدفاً لشركاتِ المقاوَلاتِ والبناءِ التي تسعى لشرائها وهدمِها وإنشاءِ أبراجٍ سكنيةٍ أو تجاريةٍ مكانَها، لكونِها تُحقِّقُ أرباحاً ماليةً كبيرةً، سواءٌ لشركاتِ البناءِ أو للمستثمِرين، إلّا أنَّ الدكتور حفتر أعطى هذه الناحيةَ أهميةً خاصةً، وبدأ تنسيقاً دائماً مع وزارةِ الثقافةِ لأجلِ إعدادِ الخرائطِ والدراساتِ الهندسيّةِ والشروعِ بإعادةِ ترميمِها وتأهيلِها ووضعِها مجدداً على الخريطةِ الحضَريةِ، ويعتبرُ أنّ الإمعانَ في هدمِ هذه المباني وتغييرِ شكلِها وصورتِها يُعَدُّ مشروعاً خطيراً يهدفُ إلى تغييرِ هُويةِ ليبيا وثقافتِها ورونقِها، وهدفاً لوقفِ تدميرِ الحضارةِ الليبيةِ التي كانَتْ وستبقى رصيداً لهذا البلدِ وللشعبِ الليبيِّ الذي يفاخرُ ببلدِهِ وتاريخِهِ ومستقبلِهِ.