Connect with us

أخبار ليبيا

قطاعُ السككِ الحديديةِ المتطوّرُ أحدُ عواملِ الدولةِ القويةِ

قد تكونُ ليبيا الدولةَ السبّاقةَ في العالمِ العربيِّ، أو في طليعةِ الدُّوَلِ التي أقامَتْ بِنيةً تحتيةً متينةً للسككِ الحديديةِ، وكانَتْ صاحبةَ الرؤيةِ في اعتمادِ القطاراتِ، ليس في وسائلِ نقلِ الرُّكابِ فحسب، بل لربطِ المناطقِ التي تفصِلُها مسافاتٌ شاسعةٌ، ونقلِ البضائعِ والصناعاتِ المحليّةِ.

قِلّةٌ قليلةٌ تعرِفُ تاريخَ شبكةِ السككِ الحديديةِ، ربما كانَ الرعيلُ الأولُ أكثرَ العارفين بنشأةِ هذا القطاعِ الحيويِّ الذي بدأ في السنةِ الأولى للقَرنِ العشرين، إذ انطلقَتْ فكرةُ بنائِهِ في عامِ 1901، في ظلِّ العهدِ العثمانيِّ الذي عمِلَ على بناءِ سككٍ حديديةٍ ربطَتْ بعضَ مُدُنِ ليبيا، خصوصاً لأسبابِ التجارةِ، لكنْ في البدايةِ انطلقَ المشروعُ من مدينةِ بنغازي وضواحيها، وكانت غايتُهُ الأولى ربطَ ميناءِ المدينةِ بمقلعِ استخراجِ المعادنِ والأحجارِ الجيريةِ وشحنَها إلى الخارجِ.

في العهدِ الإيطاليِّ الذي امتدَّ من عامِ 1911 حتى عامِ 1951 شهدَ قطاعُ القطاراتِ نُموّاً كبيراً، حيثُ أُقيمَتْ شبكةُ قطاراتٍ مُخصَّصةٍ لقطعِ المسافاتِ الطويلةِ. وبالفعلِ، بدأتْ إيطاليا في عام 1912 ببناءِ هذه الشبكاتِ، وكانَتْ ترغبُ في استغلالِ الثرواتِ الليبيةِ، فلم تتردَّد في بناءِ ما يزيدُ على 400 كيلومتر منَ السككِ الحديدية في غربِ البلادِ لربطِ العاصمةِ طرابلس بمناطقَ عدةٍ، أبرزُها زوارة وغريان وتاجوراء، واستمرَّ الاستثمارُ بهذا القطاعِ وتطويرِه حتى عامِ 1941 حين رُبطَتِ العاصمةُ طرابلس في غربِ البلادِ بمدينةِ بنغازي في الشرقِ، واستُكمِلَ نحوَ درنة وغيرِها.

بعدَ تحريرِ ليبيا منَ الاستعمارِ الإيطاليِّ، توقفَتْ عملياتُ تطويرِ قطاعِ السككِ الحديديةِ وبناءِ المزيدِ منَ الشبكاتِ، لكنَّ الخطوطَ الموجودةَ ظلّتْ تعملُ بفاعليةٍ قويةٍ، حتى بدايةِ السبعينياتِ، حيثُ بدأَ الاعتمادُ على النقلِ البحريِّ الذي صارَ ينافسُ القطاراتِ، غير أنه في عامِ 1998 أعلنتِ الدولةُ الليبيةُ رغبتَها في إنشاءِ شبكةٍ ضخمةٍ للسككِ الحديديةِ بطولِ 3170 كيلومتراً، واعتمدَتِ استراتيجيةً تُفضي إلى ربطِ الساحلِ الغربيِّ بمدينةِ “سرت” ووصلِها بالعاصمةِ طرابلس.  وفي عامِ 2008 رسَتِ المناقصاتُ على اعتمادِ الشركةِ الصينيةِ لبناءِ السككِ الحديديةِ، وبدأ العملُ على إقامةِ شبكةٍ بطولِ 352 كيلومتراً بين سرت والخمس، على أن تنتهيَ بحلولِ 2013. كذلك رسَتْ عروضٌ أخرى على تلزيمِ شركةِ السككِ الحديديةِ الروسيةِ في عام 2010، بناءَ شبكةٍ بطولِ 554 كيلومتراً من سرت غرباً إلى بنغازي شرقاً، لكنْ معَ اندلاعِ الانتفاضةِ الشعبيةِ التي أدت إلى انهيارِ نظامِ معمَّر القذافي، غادرَتِ الشركاتُ الأجنبيةُ هذه المشاريعَ الضخمةَ، وبقيَتْ ليبيا بلا قطاراتٍ تربطُ مسافاتِها الجغرافيةَ المتباعدةَ بعضَها ببعضٍ.

في مواكبتِهِ للجهودِ التي تبذلُها وزارةُ الاستثمارِ في الحكومةِ الليبيةِ، يُولي الدكتور الصدّيق حفتر كلَّ الدعمِ والاهتمامِ لاتفاقيةِ تنفيذِ وإدارةِ مشروعِ بناءِ الطُّرُقِ الحديديةِ، انطلاقاً من مدينة بنغازي، وصولاً إلى بلديةِ أمساعد الحدودية ومدينة مرسى المصرية. ويعتبرُ الدكتور حفتر أنّ “بناءَ شبكةِ طرقٍ حديديةٍ حديثةٍ يدخلُ ضمنَ استراتيجيتِهِ الهادفةِ إلى تحديثِ البِنى التحتيةِ الليبيةِ وتطويرِها، لما له من أهميةٍ تبدأُ في الحدِّ من أزمةِ ازدحامِ السَّيرِ، ويقلّصُ إلى حدٍّ كبيرٍ الحوادثَ على الطرقِ السريعةِ التي تربطُ ما بين المدنِ الكبرى”. ويرى الدكتور حفتر أنَّ “المردودَ الإيجابيَّ لبناءِ شبكةِ السككِ الحديدية، لا يقفُ عندَ نقلِ الرُّكابِ، بل يُستخدَمُ في نقلِ البضائعِ بنحوٍ أسهلَ وأسرعَ”.

ورغمَ اعترافِ الخبراءِ بأنَّ هناك بعضَ العوائقِ التي قد تعترضُ أو تؤخرُ إنشاءَ الشبكاتِ الحديثةِ، منها تأمينُ التمويلِ وإزالةُ التعدياتِ القائمةِ على الشبكةِ القديمةِ والعوائقِ اللوجستيةِ، لا يُخفي الدكتور حفتر أنه سيضعُ هذه المسألةَ في أولويتِهِ، ولن يتردَّدَ بالتعاونِ مع وزارةِ الاستثمارِ والجهاتِ الرسميةِ والشركاتِ المختصةِ، لوضعِ خطةِ بناءِ وتطويرِ شبكاتِ السككِ الحديديةِ موضعَ التنفيذِ، وأن يكونَ لدى الشعبِ الليبيِّ شبكةُ قطاراتٍ حديثةٌ ومتطورةٌ تليقُ بهِ وببلدِهِ الذي سيسلُكُ طريقَهُ نحوَ التطورِ والازدهارِ.