Connect with us

خاص الدكتور الصديق حفتر

الشّعرُ الشّعبيُّ ذاكرةُ الوطنِ

لم أكنْ يومًا مقتنعًا بأنّ الشِّعرَ الفصيحَ هو ابنُ السيّدةِ، والشِّعرَ الشّعبيَّ ابنُ الخادمةِ، ومع أنّي أكتبُ القصيدةَ الفصيحةَ وأنحازُ لجمالِها مِن عهدِ امرئ القيس إلى عصرِنا الحالي، وأعتبرُها الشِّريانَ الذي يُوصلُ الدّماءَ العربيّةَ إلى جسدِ أمّتِنا، إلّا أنَّ دورَ الشِّعرِ الشَّعبيِّ في تصويرِ أحاسيسِ الإنسانِ البسيطِ، ومُلامسةِ وِجدانِه لا يُنكَرُ. بل في الفتَراتِ العصيبةِ التي مرّتْ على شعبِنا الليبيِّ كانتِ القصيدةُ الشّعبيّةُ حاضرةً، فقد لا تَفهمُ الأمُّ الليبيّةُ التي عانَتْ الشَّدائدَ وافتخرتْ ببطولاتِ شيخِ الشّهداءِ عمرَ المختار قولَ أحمدَ شوقي وهو يَرثيه:
رَكَزوا رُفاتَكَ في الرِّمالِ لِواءَ … يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ
ولكنّها بكلِّ تأكيدٍ تتأثّرُ بأبياتِ شاعرٍ شعبيٍّ مثلَ عمر بوعوينة وهو يبكي البطلَ الكبيرَ قائلًا:
طْفي نور ضاوي ع العباد جلالَه … كريم ربّنا يرزق بنور بدالَه
كما تفهمُ هي وآلافٌ منَ النّساءِ والرّجالِ الذين حُرموا من فرصةِ تعلُّمِ القراءةِ والكتابةِ، ما عاناه آباؤهم وأجدادُهم مِن ظروفٍ قاسيةٍ وشظَفِ عَيْشٍ حين يَسمعونَ مُعلّقَة الشّاعرِ رجب بو حويش التي تقطرُ ألَمًا:
ما بـي مرض غير دار العقيـله .. وحبس القبيله .. وبعد الجبا من بـلاد الوصيـله
ولولا هذه القصائدُ الشّعبيّةُ لضاع جزءٌ من تاريخِ بلادِنا، ببطولاتِ رجالِه وتضحياتِ نسائِه اللّواتي شاركنَ الرّجالَ الإبداعَ في هذا الشّعرِ الشعبي مثلَ الشّاعرةِ فاطمةَ العبّار، فهل بعدَ هذا يليقُ أنْ ننظُرَ إلى الشِّعرِ الشَّعبيِّ على أنّه أدنى مِنَ الفَصيحِ؟!