أخبار ليبيا
آنَ أوانُ المُصالحةِ

بقلم د. الصدّيق حفتر
لا يُنكرُ إلّا جاهلٌ أو مُكابرٌ أهميّةَ التّركيبَةِ القَبَليّةِ لِمجتمعِنا اللّيبيِّ، فهو ككلِّ المُجتمعاتِ العَربيّةِ المُماثلةِ، يَقومُ على ولاءِ الفردِ لِقَبيلَتِه، ووَلاءِ القبيلةِ لوطنِها، لا على طريقةِ الشّاعرِ الجاهليِّ في انتمائِه لقبيلتِه “غَزِيّةَ” حين قالَ:
وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ… غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
بلْ على هَديِ النّبيِّ ﷺ حينَ سُئِلَ: أمِنَ العَصبيّةِ أنْ يُحبَّ الرَّجلُ قومَهُ؟ قال: «لا، ولَكِنَّ مِنَ العَصَبيّةِ أنْ يَنصُرَ الرَّجلُ قَومَه على الظُّلمِ».
ومِنَ الظّلمِ استمرارُ الأحقادِ والنِّزاعاتِ والتّقاتُلِ بينَ قبائلَ يَضمُّها وطنٌ واحدٌ ولغةٌ واحدةٌ ودِينٌ واحدٌ، ناهِيكَ عمّا بينَها مِن قَرابةٍ وتَصاهُرٍ. وقد شَهِدتِ القبائلُ نفسُها نتيجةَ هذا التّناحرِ فالمنتصرُ خاسرٌ، على حدِّ قولِ الشّاعرِ الآخرَ “وإذا رَمَيْتُ يُصيبُني سَهمي”.
لذلكَ أرى أنّنا – طالَ الزّمنُ أو قَصُرَ – مَحكومونَ بالمصالحةِ، والأرضيّةُ الآنَ مُهيّئَةٌ أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ مضى، لأنّنا رأينا جميعًا عاقبةَ الشِّقاق، فمرحى للتّلاقي والوِفاق.
ومهما كانتِ الإرادةُ السّياسيّةُ راغبةً في جَمعِ ما تفرَّقَ وتأليفِ القلوبِ، لا يُمكنُ أنْ يتِمَّ ذلكَ إذا لمْ يَصدرْ عن عُقلاءِ القبائلِ أَنفسِهِمْ وشيوخِهِمْ، فهمْ أهلُ الحَلِّ والعَقدِ، يقولونَ فيُسمَعُ لهمْ، ويَأمرونَ فيُطاعون. وما علينا نحنُ في لجنةِ المصالحةِ الوطنيّةِ الليبيّةِ التي أتشرّفُ برئاستِها، إلّا أنْ نُيسِّرَ السُّبُلَ، ونُسهّلَ اللّقاءاتِ، ونُقرّبَ وُجهاتِ النّظَرِ، وأنا واثق منَ النّجاحِ، إن صَفَتِ النِّيَّاتُ وغلَّبْنا مصلحةَ الوطنِ، ولا تَعوزُنا الأمثلَةُ، فحيّا على المُصالحةِ قد آنَ أوانُ قِطافِ ثمراتِها!
