Connect with us

خاص الدكتور الصديق حفترر

العربيّةُ لغةُ المستقبلِ أيضًا

حينَ نُطلقُ النِّداءَ تِلوَ النِّداءِ للحفاظِ على اللّغةِ العربيّةِ والاهتمامِ بها، ليس ذلك خوفًا مِن انقِراضِها أوْ تَحوُّلِها إلى لغةٍ ميّتَةٍ، فاللّغةُ التي يَتحدَّثُها أربعُمِئةِ مليونِ عربيٍّ، ويَقرأُ بها يوميًّا في صلاتِهِم قُرابةُ مِليارَيْ مُسلمٍ، إضافةً إلى أنّها ثاني لغاتِ العالَمِ في سرعةِ الانتشارِ لا نَخشى زوالَها، بل نَشكُو إهمالَ أَبنائِها لها، وشعورَ البَعضِ بِعقدةِ نقصٍ عند التّحدُّثِ بها.

 ومع أنَّ اللّغةَ العربيّةَ أَثبتتْ قدرَتَها على التّكيُّفِ مع مُختلَفِ التّحدِّياتِ العلميّةِ والتّكنولوجيّةِ باعتبارِها لغةً اشتقاقيّةً مَرِنةً، تَملِكُ إمكاناتٍ لا تُحَدُّ لاستيعابِ الجديدِ مِن المصطلحاتِ ودمجِه في نسيجِها، إلّا أنَّ مُتحدِّثِيها يُفَضِّلونِ اللّجوءِ إلى الإنجليزيّةِ، حتّى لو كانوا في وَضعٍ لا يَضطرُّهُمْ للتعبيرِ بها، أَنَفَةً مِن لغةِ آبائِهِمْ، ورَغبةً في لغةٍ يَعيشونَ أمامَها الخضوعَ لأنّها لغةُ الأَقْوى.

لستُ ضدَّ تَعلُّمِ اللّغاتِ، بل أرى أنَّ تَعَلُّمَها يَكادُ يُصْبِحُ فَرضَ عَينٍ ما دام العِلمُ في عصرِنا الحالي مُعتمِدًا عَليها، ولكنْ فَليكُنْ تَعَلُّمُها إضافةً تُغني رصيدَنا ولا تَمحو أَصالَتَنا. ونَحرِصُ على أنْ نُترجِم إليها ما اسْتَطَعْنا مِن معارِفَ كما فَعلَ أَسلافُنا. ولْنُشجِّعْ على إتقانِ اللّغةِ العربيّةِ أبناءَنا حتّى لا يَنشَؤُوا مُنهَزِمينَ ذاتِيًّا، نافِرينَ مِن وِعاءٍ استوعَبَ تاريخَهُمْ وثقافتَهُمْ ودينَهُمْ، مَبهورِينَ بِلغاتٍ تَصلُحُ أن تكونَ حفيدةً للُغتِهِمْ.

كلُّ دعوى لاستبدالِ اللّغاتِ الأُخرى باللّغةِ العربيّةِ دَعوى مشبوهةٌ وإنْ كانتْ نِيّاتُ الدّاعينَ إليها حَسَنَةً. جرّبُوا استعمالَ العربيّةِ في المجالاتِ العِلميّةِ وسَتَرَوْنَ طواعِيَتَها وسُرعَةَ تأقْلُمِها، لا يَنقُصُنا لفعلِ ذلكَ سِوى رغبةِ الأفرادِ وإرادَةِ الحكوماتِ. وما ذلكَ اليومُ ببعيدٍ.

Continue Reading