أخبار ليبيا
حفتر: لأَخذِ العِبرِ من تجاربَ دَوليّةٍ حقّقتْ المصالحةَ الوطنيّةَ

ممّا لا شكَّ فيه أنَّ ليبيا تمتلكُ مُقوّماتٍ كثيرةً لتحقيقِ مصالحةٍ وطنيّةٍ شاملةٍ وناجحةٍ، لكنّها في البدايةِ تحتاجُ إلى إطارِ عملٍ وطنيٍّ شاملٍ يضمنُ العدالةَ الانتقاليّةَ، مع إشراكِ المجتمعاتِ المحليّةِ وإبعادِ كلِّ العوائقِ الخارجيّةِ. ويبدو أنَّ حلَّ الأزمةِ في ليبيا يكمُنُ في استعادةِ روحِ الوطنِ وجَبرِ الضّررِ، أمّا تجاهلُ المصالحةِ وتقاسُمُ السّلطةِ فلمْ يزِدِ المشهدَ اللّيبيَّ إلّا تعقيدًا.
كثيرةٌ هي التّجارِبُ الدّوليّةُ التي تُمكِّننا مِن فهمِ نقاطِ القوّةِ والضُّعفِ في ليبيا، وأخذِ العِبرِ مِن تجاربَ مماثلةٍ في بلدانٍ أخرى، ففي رواندا مثلًا وبعدَ الإبادةِ الجماعيّةِ التي حصلتْ عام 1994، أتتْ المصالحةُ الوطنيّةُ لتُركّزَ على محاكمِ الجاكاكا التي جمعتْ المجتمعاتِ المحليّةَ للوصولِ إلى عدالةٍ تحاكي النّسيجَ الاجتماعيَّ في البلادِ. أمّا في ليبيا فالتّركيزُ ما يزالُ ضعيفًا على مسألةِ العدالةِ الانتقاليّةِ، مقارنةً برواندا التي نجحتْ في دمجِ المجتمعاتِ عبرَ كشفِ الحقيقةِ، واستعادةِ الرّوحِ الوطنيّةِ، وجبرِ الضّررِ.
صحيحٌ أنّ ليبيا تعاني مِن انقسامٍ سياسيٍّ ومناطقيٍّ عميقٍ منذ أعوامٍ مضَتْ. انقسامٌ غذّتْه التدخّلاتُ الخارجيّةُ وضُعفُ الدّولةِ والمؤسّساتِ الوطنيّةِ لاسيما الحكوماتُ الموازيةُ والمصرفُ المركزيُّ، ما يُضعِفُ حتمًا المصالحةَ الوطنيّةَ، إلّا أنّه يمكنُ الاستفادةُ مِن التّجربةِ التونسيّةِ في هذا الصَّدَدِ، والتي أَنشأتْ بعد ثورةِ العام 2011 هيئةً خاصّةً لكشفِ الانتهاكاتِ وتعويضِ المتضرِّرينَ.
هنا يُشيرُ الدّكتورُ الصدّيق حفتر إلى حاجةِ ليبيا إلى توحيدِ مُؤسّساتِها، وتفعيلِ دورِ الهيئاتِ المستقلّةِ للإشرافِ على عمليّةِ المصالحةِ كما حصلَ في تونس، ويَستذكرُ “اتّفاقَ السّلامِ الذي حدثَ مع القوّاتِ المسلّحةِ الثوريّةِ في كولومبيا، وإنشاءِ لجنةِ تحقيقٍ لتوثيقِ الجرائمِ، وتعويضِ المتضرِّرينَ وأهالي الضحايا، وإعادةِ دمجِ المقاتلينَ”، ويُبدي الدّكتورُ حفتر ثقتَه في المجتمعاتِ المحليّةِ في ليبيا، وإمكاناتِها في دعمِ المصالحةِ شرطَ دمجِها في إطارٍ وطنيٍّ شاملٍ، لافتًا “إلى العدالةِ الانتقاليّةِ التي كانت أساسَ المصالحةِ في جنوبِ أفريقيا” مؤكّدًا أنَّ “ليبيا بحاجةٍ إلى عدالةٍ انتقاليّةٍ تشملُ محاسبةَ المسؤولينَ، ومراعاةَ التّوازنِ بين العدالةِ والسّلامِ”.
ولا يُغفِلُ الدكتورُ حفتر “التّدخُّلاتِ الخارجيّةَ التي قد تزيدُ الأمرَ تعقيدًا، وتُضعِفُ حظوظَ نجاحِ المصالحةِ، مثلما حصل في العراقِ حيث أعاقتْ التدخُّلاتُ الخارجيّةُ بعد الغزوِ الأمريكيِّ المصالحةَ، وساهمتْ في تفاقمِ الانقساماتِ الطائفيّةِ”.
أخْذُ العِبرِ ممَّا جرى في العديدِ منَ البلدانِ التي جرى ذكرُها أمرٌ ضروريٌّ ومثلُها الكثيرُ كلبنانَ والبوسنةِ والهرسكْ وجنوبِ أفريقيا وتيمورِ الشّرقيّةِ، وكلُّها تقودُ إلى ضرورةِ توحيدِ الموقفِ الوطنيِّ، وعدمِ إهمالِ دَورِ المجتمعاتِ المحليّةِ، واعتمادِ مبدأِ العفوِ الشّاملِ مع مراعاةِ التّوازنِ بين العدالةِ والسّلامِ، كلُّها دروسٌ يُستفادُ منها -كما يرى الدّكتورُ حفتر- مِن أجلِ نجاحِ المصالحةِ وإشراكِ جميعِ مكوّناتِ المجتمعِ بها، خاتِمًا “العدالةُ ليستْ انتقامًا، بل وسيلةٌ لإعادةِ الثّقةِ، بعيدًا عن تأثيرِ القُوى الخارجيّةِ لتجنُّبِ استنساخِ أزْماتٍ لا تزالُ تعاني منها بلدانٌ عربيّةٌ عزيزةٌ”.
