Connect with us

أخبار ليبيا

توأمُ العدالةِ والمصالحة.. بقلم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر

حين كُلِّفتُ بملفِّ المصالحةِ الوطنيةِ كنتُ أستحضِرُ في ذهني كثيرًا منَ النصوصِ الدينيةِ التي تدعو إليها، وكنتُ أرى قيامي بهذا الدّور واجبًا وطنيًّا ودينيًّا وإنسانيًّا لذلك سعدتُ حين قرأتُ كتابَ “العدالةُ والمصالحةُ الوطنية: ضرورةٌ دينيّةٌ وإنسانيّةٌ” للدكتور علي محمد الصلَّابي إذ وجدتُه في أغلب فصولِهِ فكْرًا تنظيريًّا لما آمنتُ به، وخاصةً أنّه حشدَ في كتابِه الآياتِ التي تدعو إلى المصالحةِ مثل {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وقوله تعالى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]. وقد فصّل الدكتورُ الصلَّابي في كتابِه ما يتوجَّبُ على الخصمينِ لإصلاح ذاتِ البينِ من منظورٍ دينيّ، فذكر نقاطًا منها: دفعُ السيِّئةِ بالتي هي أحسنُ، والاستجابةُ لداعي الإصلاحِ، وأن يتنازلَ كلُّ خصمٍ عن جزءٍ من بعضِ حقِّهِ، وأهمُّ شيءٍ الرِّضى بحُكمِ الوسطاءِ الخيِّرينَ بعد صدورِهِ، ودعَمَ كلَّ هذه الطّروحَاتِ بمجموعةٍ من الأحاديثِ النبويّةِ القوليّةِ والفعليّةِ.

وفي الكتابِ تَفصيلاتٌ كثيرةٌ كالحديث عن دورِ المجتمعِ بكافّةِ أطيافِهِ من أُسرةٍ ومسجدٍ ومؤسّساتٍ تربويّةٍ في إثباتِ دعائمِ المصالحةِ، ويَستخلِصُ الكاتبُ مِن سيرةِ النبيِّ وصحابتِه أساليبَ عمليّةً لإصلاح ذاتِ البينِ كالمكاشفةِ بينهم والمصارحةِ الهادئةِ. وأغلبُ فصولِ الكتابِ أمثلةٌ عمليٌّة مفصّلةٌ عن نماذجَ راقيةٍ للمصالحةِ والعفوِ، بدءًا بما جرى مع نبيِّ الله يوسف وإخوتِه يوم قال لهم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92] وليس انتهاءً بوقفةٍ مطوّلةٍ لتعاملِ النّبيِّ يومَ فتحِ مكّةَ والعفوَ الشّاملَ الذي أطلقَه، إضافةً إلى مثالٍ آخرَ عن صلحِ الحسَنِ ومعاوية.ومن جميلِ ما أثبتَه المؤلِّفُ رسالةً مهمَّةًّ من نلسون منديلا إلى العربِ ختَمها بقوله “أتمنّى أن تستحضِروا قولِ نبيِّكمْ: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ”.

هذا الكتابُ خريطةُ طريقٍ دينيةٍ لكلِّ مصالحةٍ، يأخذُ بِيَدِ قارئهِ إلى تفضيلِ الصّلحِ ونبذِ الخلافِ امتثالًا لقول الله تعالى {وَالصُّلحُ خَيْرٌ}.