Connect with us

أخبار ليبيا

هل نحن بحاجةٍ للبيانِ والتّبيينِ؟ – بقلم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر

لا يمكنُنا أن نَذكرَ أدباءَ العربِ الكبارَ إلّا ونذكرَ الجاحظَ بينهم، كما لا يمكنُ أن نعدَّ الكتبَ المصدريةَ في الأدبِ إلّا وكتابهُ «البيانُ والتبيينُ» على رأسِها، وليس هذا الرأيُ جديدًا، بل ذكرهُ العلّامةُ ابنُ خلدونَ قبل أكثرَ من ستةِ قرونٍ حينَ كتبَ: «وسمعْنا من شيوخِنا في مجالسِ التّعليمِ أنّ أصولَ هذا الفنِّ (يقصدُ الأدبَ) وأركانَه أربعةُ دواوينَ وهي: أدبُ الكاتبِ لابنِ قُتيبةَ، وكتابُ الكاملِ للمُبرّدِ، وكتابُ البيانِ والتّبيينِ للجاحظِ، وكتابُ الأمالي لأبي عليّ القالي، وما سوى هذه الأربعةِ فتَبَعٌ لها وفروعٌ عنها». و«البيانُ والتبيينُ» موسوعةٌ في علمِ اللّغةِ وفلسفةِ الكلامِ، جمعَ فيه الجاحظُ ما لذَّ وطابَ من أقوالِ الخلفاءِ والشّعراءِ والأدباءِ والخطباءِ، وأبانَ عن مواطنَ الجمالِ في كلامهِم، ودلَّنا بأسلوبٍ ممتعٍ مشوّقٍ على أساليبِ البلاغةِ وطرقِ البيانِ عندَهم. والجميلُ في كتبِ الجاحظِ كلِّها أنّه يستطردُ، فينتقلُ من موضوعٍ إلى آخرَ فلا يُشعِرُ قارئَهُ بالمللِ، بل يجدُ المُطالعُ نفسَهُ جامعًا بين متعةِ القراءةِ ووَفرةِ الفوائدِ. ولكن هل ما زلنا بحاجةٍ إلى الجاحظِ وكتابهِ «البيانِ والتبيينِ» في زمنِ الذكاءِ الاصطناعيِّ ووسائلِ التواصلِ؟ الحقيقةُ أنّنا أحوجُ ما نكونُ إلى الاطّلاعِ على أمثالِ هذا الكتابِ لتستقيمَ ألسنتُنا، ونُتقِنَ لغتَنا التي نزلَ بها القرآنُ، ونطّلعَ على آثارِ آبائِنا، ونتعلّمَ الأدبَ ومكارمَ الأخلاقِ منها على السّواءِ. وكم يعجبني قولُ الجاحظِ في وصفِ الكتابِ -وهو الأديبُ الذي قَتلَتْه كتبهُ حينَ وقعتِ الرّفوفُ المملوءةُ بها عليه-: «الكتابُ هو الجليسُ الذي لا يُطريكَ (يمدحُك)، والصَّديقُ الذي لا يُغريكَ، والرفيقُ الذي لا يمَلُّكُ» وهذا الوصفُ ينطبقُ كثيرًا على كتابِه «البيانُ والتبيينُ».

Continue Reading