أخبار ليبيا
الثقافةُ سفيرٌ فَعّال – بقلم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر

نحنُ نعيشُ في عالَمٍ متغيِّرٍ بسُرعةٍ، وأحيانًا أكثرَ من قُدرتِنا على استيعابِ التغيُّراتِ، ويكفي أنَّ الإنسانَ المعاصِرَ في لُهاثٍ مستمرٍّ وراءَ مستجدّاتِ التِّكنولوجيا، وحتّى ما كنا نَعتقدُه مِن ثوابتَ لمْ يَسلَمْ من التَّحوُّلاتِ.
ففي العلاقاتِ الدوليّةِ كانت الدبلوماسيّةُ بمفهومِها الرسميِّ هي الجسرُ الرابِطُ بين الدُّوَلِ، لكنْ منذ عقودٍ قليلةٍ ظهر مفهومٌ جديدٌ أكثرَ نجاعةً هو الدبلوماسيّةُ الثقافيّةُ، بدأ على استحياءٍ ثم تَبلوَرَ أكثرَ فأكثرَ، ليُصبحَ الآن أحدَ أهمِّ الجسورِ الجامعةِ، معتمدًا الثّقافةَ والحوارَ والبحثَ عن القواسمِ المشتركةِ لنزعِ فتيلِ الخِلافاتِ، وسوءِ الفهمِ، والأفكارِ المُسبَقةِ.
تعتمدُ هذه الدّبلوماسيةُ الثقافيةُ على وسائلَ حضاريةٍ كالتعليمِ، وتفعيلِ المؤسَّساتِ الثّقافيةِ، والمهرجاناتِ الفنيّةِ، وكم من بلدٍ صغيرٍ حجمًا، كبيرٍ تأثيرًا، لاعتمادِه على هذا النّمطِ من الدبلوماسيّةِ.
فحتى الأحداثُ الرياضيّةُ الكُبرى تُقدِّمُ صورةً عن البلدِ المُضيفِ في أيامٍ معدودةٍ، ما تعجِزُ عنه عقودٌ من الدّبلوماسيّةِ التقليديّةِ، وما كأسُ العالمِ عنّا ببعيدٍ. وهكذا هو الشّأنُ مع الأفلامِ والفنِّ، فهي تُسهِمُ في تقريبِ الشّعوبِ من بعضِها، وكم من دولٍ تعرَّف الناسُ عليها من خلالِ مسلسلاتِها أو فنِّها. وكذلكَ معاهدُ اللّغاتِ مثلَ معهدِ «غوته» الألمانيِّ أو المجلسِ الثقافيِّ البريطانيِّ، لا يُنكَرُ دورُها في التّعريفِ بثقافاتِ بلدانِها، والتّقريبِ بينها وبين الشّعوبِ الأخرى.
لذلك علينا أن نُوليَ أهميّةً كبيرةً للدّبلوماسيةِ الثّقافيةِ، فليست ترفًا أو نشاطًا ثانويًّا، بل هي استثمارٌ استراتيجيٌّ في المستقبلِ يهدفُ إلى إيصالِ صوتِنا إلى العالمِ، وتقديمِ صورةٍ حقيقيّةٍ عنّا بعيدًا عمّا يُروِّجُه الخُصومُ، ولدينا الكثيرُ الذي نفخرُ به كي نقدِّمَه للعالَمِ.
