Connect with us

أخبار ليبيا

عنترةُ النّبيل – بقلم الدكتور الصدّيق خليفة حفتر

أُعجِبتُ منذُ صِغَري بعَنترةَ بنِ شَدّادٍ، وحَفِظتُ الكثيرَ من شِعرِهِ، ولا زِلتُ أتعجَّبُ إلى الآنَ مِن هذا الرَّجُلِ الذي شاءَتْ له أقدارُهُ أن يكونَ عبدًا عندَ أبيهِ، ولكنَّهُ افتكَّ حُرِّيَّتَهُ بشجاعتِهِ وصبرِهِ حتى اعترفَ له أبوهُ بها فقالَ له: “كُرّ وأنتَ حُرّ”.

في عَنترةَ اجتمعتْ شجاعةُ الفارِسِ ورِقَّةُ العاشِقِ وأخلاقُ النبيلِ، تخيَّلوا رجلًا وُلِدَ في الجاهليةِ حيثُ لا يَتورَّعُ الناسُ عن فعلِ أيِّ شيءٍ لأجلِ البقاءِ يقولُ:

وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطَّوَى وَأَظَلُّهُ … حَتَّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ المَأْكَلِ

بل يُفاخرُ بتعفُّفِهِ عن الأموالِ، ويطلبُ من حبيبتِهِ عَبْلَةَ أن تسألَ من كان حاضرًا في الحربِ كيف كان يُقدِمُ وقتَ القتالِ، وينسحبُ وقتَ توزيعِ الغنائمِ:

يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي … أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِندَ المَغْنَمِ

ويتعفَّفُ أيضًا عن الأعراضِ، فمِن ألفٍ وخمسمئةِ سنةٍ قالَ بيتًا أصبحَ شعارًا لكلِّ عفيفٍ شريفٍ:

وَأَغُضُّ طَرْفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي … حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا

وهو يعرفُ هذه الخِصالَ جيّدًا في نفسِهِ، ويعلمُ أنَّ سوادَ بشرتِهِ لا يحولُ دونَ بياضِ سريرتِهِ ونقائِها، ويذكرُ ذلك برأسٍ مَرفوعٍ:

إِنْ كُنتُ عَبْدًا فَنَفْسِي حُرَّةٌ كَرَمًا … أَوْ أَسْوَدَ الخَلْقِ إِنِّي أَبْيَضُ الخُلُقِ

فيا ليتَ الآباءَ يُحفِّظونَ أولادَهم شِعرَ عَنترةَ ليَتعلّمُوا الجمعَ بين الشّجاعةِ والخُلُقِ الحسنِ. ويا ليتَ المُقرَّراتِ المدرسيةَ تُضيءُ على أمثالِ هذا الفارسِ الذي استعبّدَهُ والدُهُ وحُرِمَ من المرأةِ التي أحبَّها، ولكنَّ التاريخَ خَلَّدَهُ بثلاثِ صفاتٍ: بطولتِهِ وشِعرِهِ وخُلُقِهِ الحسنِ.

Continue Reading